حسن عز الدين مالك، رجل أعمال، أحد المحالين إلى المحكمة العسكرية ضمن 40 آخرين، تخرج في كلية التجارة بالإسكندرية ورأس اتحاد طلابها سنة 1980م، وهو ينتمي إلى أسرةٍ مجاهدةٍ وتجارٍ معروفين ولهم محلات كبيرة في الأزهر منذ زمن.
وهو أب لسبع أبناء أكبرهم معاذ- 22 سنة- خريج الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والذي يعمل بشركات والده، ثم خديجة- 21 سنة- الطالبة بالفرقة الرابعة بكلية الآداب قسم لغة تركية بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والمسئولة عن المراسلات التركية بشركات والدها، وتوأمها عمر الذي يدرس إدارة الأعمال بنفس الأكاديمية، ثم حمزة-20 سنة- بالعام الثالث، وهما كذلك يعملان بشركات والدهما، ثم أحمد- 15 سنةً- الطالب بالثانوية العامة، وأنس- 12 سنة- الطالب بالصف الأول الإعدادي، وأخيرًا عائشة- 10 سنوات- الطالبة بالصف الرابع الابتدائي، باعتقاله تمَّ تشريد أُسرٍ كثيرة وإضاعة فرص عمل عديدة في أعمال حسن مالك الذي لم يهرب بقروضِ البنوك ولم ينهب المال العام، ولم يُغرق العبَّارات سنة تلو أخرى كما حدث مع آخرين يعيشون بحريتهم ورضا النظام الحاكم عنهم.
(إخوان أون لاين) قرر أن يزور أسرة هذا الرجل الذي حاربه نظامٌ لا يعرف ولا يهمه مصالح البلاد والعباد.
* في البداية سألنا زوجته هل ممكن أن تُظهرِي الجانب الذي لا نعرفه عن رجل الأعمال حسن مالك؟
** زوجي معطاءٌ وكريمٌ جدًّا وواصلٌ للرحم، وفوق ذلك كله فهو تاجرٌ شاطر، وأنا واثقة أنَّ الله لن يخذله فهو يقتدي بالرسول- صلى الله عليه وسلم- ويُكرم المحتاج والضعيف، واستشعره أنه من الذين قال عنهم الرسول: "حببهم إلى الخير وحبب الخير إليهم واختصهم بقضاء حوائج الناس".
حتى إنه أعطى عُماله المغتربين من الأقاليم المختلفة شقةً للإقامة بها، وكان يقوم بالفرش والتنظيف مع العمال بمحلاته بنفسه، وعندما كنا نقول له هناك عمال دورهم القيام بهذا العمل فيرد علينا قائلاً: "هذا رزقي لا بد أن أتعب فيه حتى يبارك لي الله".
وكان من أوائل مَن خاضوا مجال الكمبيوتر والبرمجيات بمصر، وكان من ثمرته شركة سلسبيل التي على إثرها تمَّ تلفيق قضية له عام 92 عُرفت باسم "سلسبيل"، وكانت خلفيتها حصوله على مناقصة من شركات أخرى "مسنودة" فتمَّ تلفيق القضية وإيداعه عامًا كاملاً بالسجن، والمفارقة أنه تمَّ الكشف عن جاسوس إسرائيلي يُدعى فارس مصراطي وابنته- المريضة بالإيدز- في نفس توقيت قضية سلسبيل مثلما يجري تلك الأيام مع محمد عصام العطار، وبعد قضية سلسبيل كان من السهل له أن يُغادر إلى أي بلدٍ إلا أنه رفض ترك وطنه، وقال لنا: مهما حدث فهذه بلدنا التي يجب أن نُنتج ونُعمِّرها، ونكبرها.. لكن هناك مَن يرفضون الخير لهذه البلد ولا ندري لحساب مَن!! رغم أن البلد بها نوابغ ومخلصون كثيرون مثل الدكتور خالد عودة، إلا أنهم يمنعون أي محاولة للنهوض بالبلد فبدلاً من أن يكرموهم يسجنوهم!!.
ولم يلجأ له شاب يسعى للزواج إلا وساعده، ولم يكن ينتظر الموظفين أن يطلبوا سلفةً لظروفٍ طارئة ألمَّت بهم، فبمجرَّد علمه بحالهم كان يُرسل لهم فورًا قبل أن يُعلنوا احتياجهم، وكان شغله الشاغل خلق فرص عمل لتشغيل الشباب العاطلين، فقد كان يحصل على توكيلاتٍ لتوفير فرص عمل للشباب، رغم أنه لم يكن بحاجةٍ إلى هذه التوكيلات، وكان يمكنه أن يستورد ما يريد من الشركات بشكلٍ جاهز.
* هل كان هناك توكيلات أو عقود يعتزم عقدها وحالت هذه المحنة بينه وبين توقيعها؟
** نعم، كان على وشك كتابة عقد مصنع مع شركة تركية في العاشر من رمضان يستوعب مبدئيًّا حوالي 1000 عامل وموظف، فضلاً عن شركاته التي شُرِّد منها 400 عامل وموظف، ولكن "دعاة خلق فرص العمل" لا يشغلون الشباب ولا يتركون غيرهم ليُوفِّر فرص العمل، الأمر الذي جعل البلد كـ"الوسية".
المنع من الحج
* شخص بهذا الحب لوطنه هل كنتم تتوقعون ما حدث له من اعتقال؟!
** لا أحد يتخيل أن يصل الأمر بأمن الدولة إلى درجة إعادة زوجي من المطار؛ حيث كنا ذاهبين وابننا الأكبر لأداء فريضة الحج، وكان زوجي مُحرمًا، وبعد أن أنهينا إجراءات السفر تمامًا وفي انتظار الانتقال للطائرة جاء ضابط أمن الدولة وأخذ زوجي لغرفةٍ مغلقة، وكان متعاطفًا معه حتى إنه اتصل بقياداته وقال لهم إنه معه أُسرته ومن الأفضل أن نستدعيه بعد الحج، إلا أنهم رفضوا فقال لي زوجي: "توكلي على الله، واذهبي أنتِ وابنكِ وسألحق بكم غدًا أو بعد غد".
* ماذا كان شعورك في هذه اللحظة؟
** كان مشهدًا رهيبًا، وانتباتني حالةٌ من الرعبِ والفزع، وسافرتُ أنا وابني، واتصلتُ بزوجي فور وصولي في حدود الساعة الحادية عشرة وطمئنني وقال إنه سيلحق بنا سريعًا.
وعندما غالبت الدموع الزوجةَ الصابرةَ وهي تروي لنا وقائع ما حدث تدخلت خديجة- الابنة الكبرى- قائلةً: عاد أبي بعد المغرب ولم يسافر؛ مما أثار عجبنا فسألناه فقال لنا: يبدو أن اسمي قد وُضع ثانيةً على قائمةِ الممنوعين من السفر- وهنا استرجعت خديجة ذاكرتها وقالت- بعد قضية سلسبيل تمَّ منعه من السفر شريطة أن يستأذن قبل أن يسافر من أمن الدولة، وكان يحجز التذكرة ويُعدُّ كل شيء وينتظرهم، وأحيانًا يمنحوه التصريح قبل الطائرة بثلاث ساعات، وأحيانًا يقررون عودته من المطار، وكل ذلك بهدف التضييق عليه، إلى أن تمَّ استدعاؤه قبل 8 شهورٍ من القبض عليه وفحصوا أوراقه وضرائبه وقال له رجال أمن الدولة: "أنت رجل نظيف"، وبعدها تقرر رفع اسمه من تلك القوائم وأصبح يسافر بكل سهولةٍ ويسر دون أي مشكلات، وحين أعادوه من المطار توقعنا أن المشكلة تكمن في إعادة اسمه للقائمة فحسب.
واستكملت خديجة حديثها قائلةً: إلا أن أبي أخفى علينا قلقًا كان يُساوره، حيث نشرت إحدى الصحف في الليلة السابقة لاعتقاله خبرًا بعنوان "رجل أعمال وقيادي إخواني بارز يصطحب السفير "الإسرائيلي" داخل معرض الأثاث لومارشيل بقاعة المؤتمرات، ثم يدعوه للعشاء بمطعم فورسيزون، وكتبت أسفل الخبر حسن مالك، وقالوا إن حسن مالك هو أخ لأحمد عز الدين مالك الطالب المتهم في قضية طلاب الأزهر، إلا أنَّ ذلك غير حقيقي لأن أحمد عز الدين عمره 34 عامًا وخريج هندسة القاهرة، وهو عائد منذ عهدٍ قريبٍ من أمريكا، المهم أنَّ أبي شعر أنَّ هناك تمهيدًا للرأي العام لغرضٍ ما إلا أنه أجَّل رفع القضية حتى يعود من الحج.
ودخل أبي للنوم، ونمتُ أنا بغرفة المعيشة لأني كنتُ أُذاكر فغفلتُ قليلاً، وكان أخواي الصغيران يسهران أمام الكمبيوتر، ثم سمع أحمد طرقاتٍ شديدة على الباب حوالي الساعة الواحدة فجرًا فذهبَ وفتح فوجد أمام الباب سوادًا كثيفًا فدفعوه ليدخلوا فقال لهم: "انتظروا توجد فتاة نائمة هنا"، لم يمهلوه ودخلوا وكان عددهم كبيرًا جدًّا، فجرى أخي وأحضر لي إسدالاً لارتديه، ثم جرى لإيقاظ أبي ولكن كان رجال الأمن خلفه فاقتحموا غرفةَ نومه، وبعدها جمَّعنا الأمنُ بغرفةٍ واحدة، ووقف علينا عسكريان لمدة ساعتين كاملتين، حتى إنهم شدوا حمزة من على سريره وهو نائم، وانتشروا بالشقة ونحن محتجزون، ورفضوا حتى أن نُحضر "جاكيت" من الدولاب لأخي الذي كان يرتعد بردًا، وأخيرًا جاء أبي يحمل عائشة على كتفه، ومعه اثنان من الضباط صاحبوه حتى وضعها بسريرٍ آخر حتى لا تفزع إن استيقظت ووجدت الأمن حولها يفتشون الغرفة، وفي النهاية جلس اثنان من رجال الأمن مع أبي بغرفةٍ مغلقةٍ لمدة ساعة ونصف.
سرقة خزانة أمي
** هل أخذوا شيئًا معهم من البيت كعادتهم؟
** غرفة أمي وجدوا بها خزانة، وسألوني وأبي عن كلمة السر الخاصة بها فقلنا لهم: "لا يعرفها سوى أمي" فقرروا أخذها، فتذكرتُ أنَّ أمي قالت لي إنها تركت بغرفتي ورقةً بها كلمة السر، فبحثتُ عنها وفتحتُها لهم، وأتيتُ بملاءةٍ ووضعتُ عليها محتويات الخزنة التي كانت كلها ذهبًا ومجوهرات منها شبكة أمي، وكان يوجد ظرفٌ به أقل من ألفي جنيه حاول الضابط أخذه إلا أن أبي أخذه منه وأعطاه لي، ولا يوجد أي أوراق، فتركوني أُغلق الخزنةَ مُبدين عدم اهتمامهم، وعندما ذهبنا خارج الغرفة، إذا بنا نسمعهم يقولون سنأخذ الخزنة ودخل 4 عساكر ليحملوها.
وأخذوا جهاز كمبيوتر ومحمولاً كان بدرج غرفة أبي وأمي لاحظنا اختفاءه بعد رحيلهم، كما أخذوا جميع أجهزة المحمول الموجودة بالبيت.
ثم ابتسمت خديجة وقالت: وأخذوا بحثًا كنتُ أعددته بالسنة الأولى بكليتي عن الإمام حسن البنا؛ حيث أعطانا الدكتور عدة شخصيات مشهورة لاختيار واحدة من بينها، واخترت أنا الإمام الشهيد، وقد حصلتُ على أحسن بحث بالدفعة، وكان ذلك البحث ضمن ما تمَّ تحريزه، وأخبرنا أبي في أول زيارةٍ أنه تمَّ توجيه اللوم له على سماحه لي بإعداد هذا البحث!.
وحين دخلوا غرفة أخي الأكبر معاذ ووجدوا بها "بوستر" للبنا و"بوستر" لسيد قطب؛ مما جعل الغرفة كلها بالنسبة لهم حرزًا، فاجتمعوا بها وخرجوا منها بثلاث حقائب بلاستيكية تحتوي على كتبٍ من مكتبة معاذ وشرائط فيديو لبرنامج شاهد على العصر.
* وماذا حدث بعد ذلك؟
** أثناء وجودهم بالبيت توجَّهت فرقة أخرى لمصنع جدي وقاموا بقلبه رأسًا على عقب، وأخذوا أي أموالٍ وجدوها، ثم أخذوا أبي في حدود الساعة السادسة والنصف، أي بعد صلاة الفجر التي منعوه من أدائها، إلى الشركة وذهب معاذ معهم، ولكن أبي قبل أن يرحل قبَّلنا يده ثم قال لنا موجهًا كلامه للضابط: "أمام أولادي أؤكد لهم أنني لن أدعكم تأخذون قرشًا من مالي ومال أولادي وشقاء 26 سنةً"، ونظر لنا وقال: "إياكم أن تتركوا لهم شيئًا".
* هل استولوا على شيء من الشركة أيضًا؟
** استولوا على كمبيوتر محمول جديد، واستولوا على جهاز "مراقبة" قيمته 40 ألف جنيه جديد أيضًا كان يسمح لأبي بمراقبة كافة محلاته من خلال الكاميرات، وسرقوا كل ما وجدوه من نقودٍ بالأدراج، وفتحوا الخزينة ولم يجدوا بها أي نقودٍ، كل الأموال بالسوق، ووجدوا عاملاً فسألوه ما اسمك فقال "جرجس" فقالوا لبعضهم: "ألحقوا ده بيشغلوا المسيحيين!!"، ثم شمعوا المصنع الذي كان يعمل فيه 400 عامل وموظف.
وفي ظهر اليوم التالي ذهبوا لكل أفرع المحلات سواء أفرع بلادونا ودالي دريس ودنيال ميرموا وبيت العباية الشرقية وسرار واستقبال، واستولوا على كلِّ الإيرادات التي وجدوها، والتي تُقدَّر قيمتها بما لا يقل عن 165 ألفًا، وتمادَى الأمر إلى أنهم قاموا بالقبض على 25 عاملاً تقريبًا من شقةٍ يسكنون بها كان قد خصصها لهم أبي، وأفرجوا عنهم بعد خمسة أيامٍ بعد منعهم من العمل مع أبي مرةً أخرى.
السفير التركي
وهو أب لسبع أبناء أكبرهم معاذ- 22 سنة- خريج الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والذي يعمل بشركات والده، ثم خديجة- 21 سنة- الطالبة بالفرقة الرابعة بكلية الآداب قسم لغة تركية بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والمسئولة عن المراسلات التركية بشركات والدها، وتوأمها عمر الذي يدرس إدارة الأعمال بنفس الأكاديمية، ثم حمزة-20 سنة- بالعام الثالث، وهما كذلك يعملان بشركات والدهما، ثم أحمد- 15 سنةً- الطالب بالثانوية العامة، وأنس- 12 سنة- الطالب بالصف الأول الإعدادي، وأخيرًا عائشة- 10 سنوات- الطالبة بالصف الرابع الابتدائي، باعتقاله تمَّ تشريد أُسرٍ كثيرة وإضاعة فرص عمل عديدة في أعمال حسن مالك الذي لم يهرب بقروضِ البنوك ولم ينهب المال العام، ولم يُغرق العبَّارات سنة تلو أخرى كما حدث مع آخرين يعيشون بحريتهم ورضا النظام الحاكم عنهم.
(إخوان أون لاين) قرر أن يزور أسرة هذا الرجل الذي حاربه نظامٌ لا يعرف ولا يهمه مصالح البلاد والعباد.
* في البداية سألنا زوجته هل ممكن أن تُظهرِي الجانب الذي لا نعرفه عن رجل الأعمال حسن مالك؟
** زوجي معطاءٌ وكريمٌ جدًّا وواصلٌ للرحم، وفوق ذلك كله فهو تاجرٌ شاطر، وأنا واثقة أنَّ الله لن يخذله فهو يقتدي بالرسول- صلى الله عليه وسلم- ويُكرم المحتاج والضعيف، واستشعره أنه من الذين قال عنهم الرسول: "حببهم إلى الخير وحبب الخير إليهم واختصهم بقضاء حوائج الناس".
حتى إنه أعطى عُماله المغتربين من الأقاليم المختلفة شقةً للإقامة بها، وكان يقوم بالفرش والتنظيف مع العمال بمحلاته بنفسه، وعندما كنا نقول له هناك عمال دورهم القيام بهذا العمل فيرد علينا قائلاً: "هذا رزقي لا بد أن أتعب فيه حتى يبارك لي الله".
وكان من أوائل مَن خاضوا مجال الكمبيوتر والبرمجيات بمصر، وكان من ثمرته شركة سلسبيل التي على إثرها تمَّ تلفيق قضية له عام 92 عُرفت باسم "سلسبيل"، وكانت خلفيتها حصوله على مناقصة من شركات أخرى "مسنودة" فتمَّ تلفيق القضية وإيداعه عامًا كاملاً بالسجن، والمفارقة أنه تمَّ الكشف عن جاسوس إسرائيلي يُدعى فارس مصراطي وابنته- المريضة بالإيدز- في نفس توقيت قضية سلسبيل مثلما يجري تلك الأيام مع محمد عصام العطار، وبعد قضية سلسبيل كان من السهل له أن يُغادر إلى أي بلدٍ إلا أنه رفض ترك وطنه، وقال لنا: مهما حدث فهذه بلدنا التي يجب أن نُنتج ونُعمِّرها، ونكبرها.. لكن هناك مَن يرفضون الخير لهذه البلد ولا ندري لحساب مَن!! رغم أن البلد بها نوابغ ومخلصون كثيرون مثل الدكتور خالد عودة، إلا أنهم يمنعون أي محاولة للنهوض بالبلد فبدلاً من أن يكرموهم يسجنوهم!!.
ولم يلجأ له شاب يسعى للزواج إلا وساعده، ولم يكن ينتظر الموظفين أن يطلبوا سلفةً لظروفٍ طارئة ألمَّت بهم، فبمجرَّد علمه بحالهم كان يُرسل لهم فورًا قبل أن يُعلنوا احتياجهم، وكان شغله الشاغل خلق فرص عمل لتشغيل الشباب العاطلين، فقد كان يحصل على توكيلاتٍ لتوفير فرص عمل للشباب، رغم أنه لم يكن بحاجةٍ إلى هذه التوكيلات، وكان يمكنه أن يستورد ما يريد من الشركات بشكلٍ جاهز.
* هل كان هناك توكيلات أو عقود يعتزم عقدها وحالت هذه المحنة بينه وبين توقيعها؟
** نعم، كان على وشك كتابة عقد مصنع مع شركة تركية في العاشر من رمضان يستوعب مبدئيًّا حوالي 1000 عامل وموظف، فضلاً عن شركاته التي شُرِّد منها 400 عامل وموظف، ولكن "دعاة خلق فرص العمل" لا يشغلون الشباب ولا يتركون غيرهم ليُوفِّر فرص العمل، الأمر الذي جعل البلد كـ"الوسية".
المنع من الحج
* شخص بهذا الحب لوطنه هل كنتم تتوقعون ما حدث له من اعتقال؟!
** لا أحد يتخيل أن يصل الأمر بأمن الدولة إلى درجة إعادة زوجي من المطار؛ حيث كنا ذاهبين وابننا الأكبر لأداء فريضة الحج، وكان زوجي مُحرمًا، وبعد أن أنهينا إجراءات السفر تمامًا وفي انتظار الانتقال للطائرة جاء ضابط أمن الدولة وأخذ زوجي لغرفةٍ مغلقة، وكان متعاطفًا معه حتى إنه اتصل بقياداته وقال لهم إنه معه أُسرته ومن الأفضل أن نستدعيه بعد الحج، إلا أنهم رفضوا فقال لي زوجي: "توكلي على الله، واذهبي أنتِ وابنكِ وسألحق بكم غدًا أو بعد غد".
* ماذا كان شعورك في هذه اللحظة؟
** كان مشهدًا رهيبًا، وانتباتني حالةٌ من الرعبِ والفزع، وسافرتُ أنا وابني، واتصلتُ بزوجي فور وصولي في حدود الساعة الحادية عشرة وطمئنني وقال إنه سيلحق بنا سريعًا.
وعندما غالبت الدموع الزوجةَ الصابرةَ وهي تروي لنا وقائع ما حدث تدخلت خديجة- الابنة الكبرى- قائلةً: عاد أبي بعد المغرب ولم يسافر؛ مما أثار عجبنا فسألناه فقال لنا: يبدو أن اسمي قد وُضع ثانيةً على قائمةِ الممنوعين من السفر- وهنا استرجعت خديجة ذاكرتها وقالت- بعد قضية سلسبيل تمَّ منعه من السفر شريطة أن يستأذن قبل أن يسافر من أمن الدولة، وكان يحجز التذكرة ويُعدُّ كل شيء وينتظرهم، وأحيانًا يمنحوه التصريح قبل الطائرة بثلاث ساعات، وأحيانًا يقررون عودته من المطار، وكل ذلك بهدف التضييق عليه، إلى أن تمَّ استدعاؤه قبل 8 شهورٍ من القبض عليه وفحصوا أوراقه وضرائبه وقال له رجال أمن الدولة: "أنت رجل نظيف"، وبعدها تقرر رفع اسمه من تلك القوائم وأصبح يسافر بكل سهولةٍ ويسر دون أي مشكلات، وحين أعادوه من المطار توقعنا أن المشكلة تكمن في إعادة اسمه للقائمة فحسب.
واستكملت خديجة حديثها قائلةً: إلا أن أبي أخفى علينا قلقًا كان يُساوره، حيث نشرت إحدى الصحف في الليلة السابقة لاعتقاله خبرًا بعنوان "رجل أعمال وقيادي إخواني بارز يصطحب السفير "الإسرائيلي" داخل معرض الأثاث لومارشيل بقاعة المؤتمرات، ثم يدعوه للعشاء بمطعم فورسيزون، وكتبت أسفل الخبر حسن مالك، وقالوا إن حسن مالك هو أخ لأحمد عز الدين مالك الطالب المتهم في قضية طلاب الأزهر، إلا أنَّ ذلك غير حقيقي لأن أحمد عز الدين عمره 34 عامًا وخريج هندسة القاهرة، وهو عائد منذ عهدٍ قريبٍ من أمريكا، المهم أنَّ أبي شعر أنَّ هناك تمهيدًا للرأي العام لغرضٍ ما إلا أنه أجَّل رفع القضية حتى يعود من الحج.
ودخل أبي للنوم، ونمتُ أنا بغرفة المعيشة لأني كنتُ أُذاكر فغفلتُ قليلاً، وكان أخواي الصغيران يسهران أمام الكمبيوتر، ثم سمع أحمد طرقاتٍ شديدة على الباب حوالي الساعة الواحدة فجرًا فذهبَ وفتح فوجد أمام الباب سوادًا كثيفًا فدفعوه ليدخلوا فقال لهم: "انتظروا توجد فتاة نائمة هنا"، لم يمهلوه ودخلوا وكان عددهم كبيرًا جدًّا، فجرى أخي وأحضر لي إسدالاً لارتديه، ثم جرى لإيقاظ أبي ولكن كان رجال الأمن خلفه فاقتحموا غرفةَ نومه، وبعدها جمَّعنا الأمنُ بغرفةٍ واحدة، ووقف علينا عسكريان لمدة ساعتين كاملتين، حتى إنهم شدوا حمزة من على سريره وهو نائم، وانتشروا بالشقة ونحن محتجزون، ورفضوا حتى أن نُحضر "جاكيت" من الدولاب لأخي الذي كان يرتعد بردًا، وأخيرًا جاء أبي يحمل عائشة على كتفه، ومعه اثنان من الضباط صاحبوه حتى وضعها بسريرٍ آخر حتى لا تفزع إن استيقظت ووجدت الأمن حولها يفتشون الغرفة، وفي النهاية جلس اثنان من رجال الأمن مع أبي بغرفةٍ مغلقةٍ لمدة ساعة ونصف.
سرقة خزانة أمي
** هل أخذوا شيئًا معهم من البيت كعادتهم؟
** غرفة أمي وجدوا بها خزانة، وسألوني وأبي عن كلمة السر الخاصة بها فقلنا لهم: "لا يعرفها سوى أمي" فقرروا أخذها، فتذكرتُ أنَّ أمي قالت لي إنها تركت بغرفتي ورقةً بها كلمة السر، فبحثتُ عنها وفتحتُها لهم، وأتيتُ بملاءةٍ ووضعتُ عليها محتويات الخزنة التي كانت كلها ذهبًا ومجوهرات منها شبكة أمي، وكان يوجد ظرفٌ به أقل من ألفي جنيه حاول الضابط أخذه إلا أن أبي أخذه منه وأعطاه لي، ولا يوجد أي أوراق، فتركوني أُغلق الخزنةَ مُبدين عدم اهتمامهم، وعندما ذهبنا خارج الغرفة، إذا بنا نسمعهم يقولون سنأخذ الخزنة ودخل 4 عساكر ليحملوها.
وأخذوا جهاز كمبيوتر ومحمولاً كان بدرج غرفة أبي وأمي لاحظنا اختفاءه بعد رحيلهم، كما أخذوا جميع أجهزة المحمول الموجودة بالبيت.
ثم ابتسمت خديجة وقالت: وأخذوا بحثًا كنتُ أعددته بالسنة الأولى بكليتي عن الإمام حسن البنا؛ حيث أعطانا الدكتور عدة شخصيات مشهورة لاختيار واحدة من بينها، واخترت أنا الإمام الشهيد، وقد حصلتُ على أحسن بحث بالدفعة، وكان ذلك البحث ضمن ما تمَّ تحريزه، وأخبرنا أبي في أول زيارةٍ أنه تمَّ توجيه اللوم له على سماحه لي بإعداد هذا البحث!.
وحين دخلوا غرفة أخي الأكبر معاذ ووجدوا بها "بوستر" للبنا و"بوستر" لسيد قطب؛ مما جعل الغرفة كلها بالنسبة لهم حرزًا، فاجتمعوا بها وخرجوا منها بثلاث حقائب بلاستيكية تحتوي على كتبٍ من مكتبة معاذ وشرائط فيديو لبرنامج شاهد على العصر.
* وماذا حدث بعد ذلك؟
** أثناء وجودهم بالبيت توجَّهت فرقة أخرى لمصنع جدي وقاموا بقلبه رأسًا على عقب، وأخذوا أي أموالٍ وجدوها، ثم أخذوا أبي في حدود الساعة السادسة والنصف، أي بعد صلاة الفجر التي منعوه من أدائها، إلى الشركة وذهب معاذ معهم، ولكن أبي قبل أن يرحل قبَّلنا يده ثم قال لنا موجهًا كلامه للضابط: "أمام أولادي أؤكد لهم أنني لن أدعكم تأخذون قرشًا من مالي ومال أولادي وشقاء 26 سنةً"، ونظر لنا وقال: "إياكم أن تتركوا لهم شيئًا".
* هل استولوا على شيء من الشركة أيضًا؟
** استولوا على كمبيوتر محمول جديد، واستولوا على جهاز "مراقبة" قيمته 40 ألف جنيه جديد أيضًا كان يسمح لأبي بمراقبة كافة محلاته من خلال الكاميرات، وسرقوا كل ما وجدوه من نقودٍ بالأدراج، وفتحوا الخزينة ولم يجدوا بها أي نقودٍ، كل الأموال بالسوق، ووجدوا عاملاً فسألوه ما اسمك فقال "جرجس" فقالوا لبعضهم: "ألحقوا ده بيشغلوا المسيحيين!!"، ثم شمعوا المصنع الذي كان يعمل فيه 400 عامل وموظف.
وفي ظهر اليوم التالي ذهبوا لكل أفرع المحلات سواء أفرع بلادونا ودالي دريس ودنيال ميرموا وبيت العباية الشرقية وسرار واستقبال، واستولوا على كلِّ الإيرادات التي وجدوها، والتي تُقدَّر قيمتها بما لا يقل عن 165 ألفًا، وتمادَى الأمر إلى أنهم قاموا بالقبض على 25 عاملاً تقريبًا من شقةٍ يسكنون بها كان قد خصصها لهم أبي، وأفرجوا عنهم بعد خمسة أيامٍ بعد منعهم من العمل مع أبي مرةً أخرى.
السفير التركي
** كيف كانت ردود أفعال الشركاء والمحيطين بكم؟
** شركاؤنا في سرار واستقبال لم يسحبوا التوكيلات، وقالوا إننا يُشرِّفنا أن نتعامل مع رجلٍ مثل حسن مالك، لما عُرف عنه من التزامٍ ومصداقية ونزاهة، فهو نزيهٌ نظيف اليد، والأموال المتفق عليها تصل إليهم في اليوم المحدد، ويحترم كلمته وعهده ولا يلعب بهم أو يطمع فيهم لدرجة أنَّ البنوكَ هي التي كانت تطلب منه أن يعمل معها لما تعرفه من سمعته إلا أنه لا يقترض من البنوك أو حتى الأشخاص؛ لأنه كان يخشى أن يموت قبل تسديد الدين، وبعد اعتقاله اتصل السفير التركي بمكتب وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد، وأكد له خطورة ذلك على الأوضاع الاقتصادية؛ وذلك لما يقوم به والدي من المشاركة في النهضة التركية إلى الحدِّ الذي جعلهم ينتخبونه- على غير رغبةٍ منه تمامًا- رئيسًا لجمعية رجال الأعمال الأتراك بمصر، ولذا حين وجدوه في أزمةٍ قرروا الوقوف إلى جواره، وحتى الجيران لم يُصدقوا ما جرى لشدةِ حبهم له من معاملته الطيبة للجميع.
واستكملت خديجة قائلةً: الاعتقال تمَّ قبل يومين من امتحانٍ لي، وفي يوم امتحاني وجدتهم ينادون عليَّ وأخبروني أن أذهب لرئيس القسم بعد الامتحان، وحين ذهبتُ إليه وجدته يقول لي: أبوكِ رجلٌ عظيم وسُمْعته بتركيا لامعة، فقلت له: أخشى ألا أنجح، وأنا أنجح كل عامٍ إما بامتياز أو جيد جدًّا، فقال لي: "لا تخشين، بإذن الله ستنجحين".
* أين كان باقي الأبناء حين تمَّ القبض عليه؟
** كما ذكرتُ كلنا كنا بالبيت، إلا أن أنس على الساعة الرابعة لم يستطع الوقوف فنام، وفي الصباح سألنا ما الذي جرى بالأمس فقد كان يظن أنَّ الأمر مجرَّد تفتيش وسينتهي فأخبرته بما جرى ثم تركته ودخلتُ غرفتي فإذا به- على رغم صغر سنه- يسعى لتثبيتي فجاء خلفي إلى الغرفة؛ حيث كنتُ أبكي ولا أُفكر في شيء إلا أنني أريدُ أبي وحسب، فجاء إليَّ وقال: "اثبتي يا خديجة، فما نحن فيه ابتلاء من الله ليرانا هل سنثبت أم نسخط؟ ولو كنا مسلمين بشكلٍ صحيح ربنا فسيجزينا خيرًا، ولو سخطنا فلن يقابلنا ربنا سوى بالسخط".. فأحسستُ أنَّ كلامه كان لي رسالة من الله في تلك اللحظة بالتحديد، وأخذ يُشعرني أن أبي في بعثةٍ لزيادةِ حسناته، وهو أحسن شيء في الدنيا، وأننا نحن أيضًا لو صبرنا سنأخذ حسنات.
* استأنفت الزوجة الحديث بعد أن هدأت وقالت:
** حين اتصلتُ بالصباح الباكر بالمنزل ردَّ عليَّ أنس الذي يبلغ من العمر 12 عامًا قائلاً: "اثبتي يا أمي ولا تبكي، فنحن على الحقِّ وأبي على الطريق الصحيح وهو بخيرٍ، ونحن رجال، وانتبهي لحجك"، وتضيف الأم: عندما سمعتُ هذا الكلام لم أتمالك نفسي فبكيتُ وانتحبت، وعندما قال لي لا تبكي قلت له: "أنا أبكي لأنك أنت حبة قلبي مَن تحاول أن تثبتني"!!.
أنس وعائشة
* كلام الأم وخديجة دفعنا إلى سؤال أنس الذي كان عائدًا لتوه من مدرسته عن شعوره ووالده معتقل بهذا الشكل فقال برباطة جأش يُحسد عليها:
** "لم أحزن كثيرًا"، بعدها فشلت محاولة أنس في إخفاء بركان الحزن الملتهب داخله حين خارت قواه مع آخر كلماته فانفجر باكيًا.
* نظرتُ لخديجة وسألتُها وماذا عن عائشة؟
** فقالت إن عائشة استيقظت في الصباح وسألت عن أبيها فقلنا له إنه سافر للحج، ولكن لأنها ذكية جدًّا استجمعت عدة ملاحظات وانفردت بي بعد ثلاثة أيام، وقالت لي ماذا تخفون عني؟، أولاً كانت هناك سجائر ملقاة على أرضية البيت، ثانيًا دولاب ألعابي الذي أُلقي أرضًا مثل سائر الشقة، ثالثًا أعمامي الذين يأتون عندنا يوميًّا، أيضًا تخفون عني الجرائد- لأنها تقرأ الجرائد يوميًّا وتتابع الأخبار- وتتحدثين أنتِ وإخوتي وإن أتيتُ تسكتون، وأنتِ تبكي كثيرًا وتدَّعين أنَّ بطنك تؤلمك، أخبروني ماذا يجري؟
فبدأتُ أُمهِّد لها.. فقلتُ لها: هل تعرفين الإخوان المسلمين؟ قالت لي: "نعم"، قلت لها: وهل تعرفين لماذا قُبض على عمو خيرت- الذي تُحبينه بشدة-؟ فقالت لي: "عشان هو كويس والبلد مش عايزاه يبقى كويس وعايزة الناس كلها تبقى وحشة"- وهذا من خلال قراءتِها ومتابعتها للجرائد وحدها دون أن يُلقنها أحد، فقلتُ لها: أبي تمَّ القبض عليه مثل عمو خيرت، فبكت كثيرًا ثم قالت: "دول عمرهم ما هيوردوا على جنة"، وكانت تلك أول مرة أسمع ذلك التعبير منها، وثاني يوم وجدتها واقفةً بركن الشرفة تتابع الأمطار المتساقطة وتدعو وتقول: "يا رب لا تدخلهم الجنة، وجيب لنا بابا بالسلامة"، وكانت تبكي بالدموع حتى وهي نائمة.
* فقالت أمها:
** عائشة حاليًا تحرص على أن تنام مكان والدها وترفض حتى أن يجلس أو يشاركها إخوتها في ذلك المكان، وتقول: "أنا أحفظ له مكانه حتى يعود"، ومرة تركتها نائمةً وذهبتُ لأطبخ، فعدتُ ووجدتها قد خبَّئت وجهها بالغطاء ودموعها تنهمر كالسيل، فقلت لها: "ماذا بك حبيبتي؟" قالت بعينيها الدامعتين: "بابا وحشني" فقلت لها: ارفعي يدك لله واشكي له ظلم الظالمين، وأول يوم للدراسة لها بالفصل الدراسي الثاني كنتُ ذاهبةً أنا لزيارته، فطول الطريق تبكي وتقول لي أريد أن آتي معكِ.. أريد أن آراه، لكنه كان أول يوم للدراسة بالفصل الدراسي الثاني فلم أقبل تغيبها عن المدرسة.
* انتقلنا بالحديث لعائشة التي كان يلقبها والدها دائمًا بـ"إش إش".
** فبدأت حديثها بذكر أغنية كان أبوها يُغنيها لها أولها "عائشة المفركشة، أم عيون مدهشة"، وابتسمت وقالت: وعمو خيرت يُغني لأنس: "أنس يا أنوس يا مآنسنا، ياللي منور مجلسنا.."، ثم أكملت بابتسامة بريئة عن الخطابات التي ترسلها لوالدها والتي تحكي له فيها كل ما يجري وقالت له فيها: "أكيد ربنا استجاب للحج بتاعك، وحسناتك بتكتر كل متقعد هناك، ثم شردت بذاكرتها يوم علمت باعتقاله وقالت: "كنت ذاهبةً للامتحان وخايفة أوي، كان نفسي بابا هو اللي يذاكر لي".. ثم ازداد بريق عينيها وقالت: "هما ليه بيعملوا كده، لو كنتُ صحية مكنتش سبتهم ياخدوه؛ لأن بابا معملش حاجة غلط، وهما عملوا كل حاجة غلط، وده ظلم كتير أوي، ومفروض ميعملوش كده وهما غلطانين أوي وهيفضلوا ياخدوا سيئات كتيرة ويوم القيامة هيروحوا النار واحنا نروح الجنة".
وبدء صوت عائشة يخفت وهي تقول: "مهما قلنا لهم لن يشعروا.. يعني إيه بيتنا من غير بابا، دي حاجة صعبة أوي".. ثم ارتمت في أحضان أختها تاركةً سيلاً من الدموع يُعبِّر بوضوحٍ بالغٍ عمَّا تشعر به من ظلم، وبعد أن تماسكت قالت: "بابا طلب مني أن أدعو له وأخلي الناس تدعو له، وطلب هدية مننا هي أنَّ كل واحد يحفظ سورةً ويُسمعها له".
فتشوا كل شيء
* عدنا مرةً أخرى لخديجة، لتصف لنا مشاهد عملية التفتيش الهمجية التي اعتادوا عليها؟
** فقالت: كانت عملية التفتيش شديدة الهمجية والاستفزاز، حتى البقوليات تمَّ تفتيشها!! والحمام فتشوه، وفتشوا دولاب النيش الذي كل محتوياته كريستال والكريستال شفاف.. فماذا يُمكن أن يختفي وراءه؟ فقلنا للضابط ذلك، فقال لنا: "لا بد أن أفتش حتى يطمئن قلبي"، وحتى دولاب ألعاب أختي الصغيرة قلبوه رأسًا على عقب، وكانوا يدخنون ويلقون بالسجائر- التي لم تدخل بيتنا أبدًا من قبل- على الأرض، وقلبوا المكتبة أرضًا بما فيها من مصاحف وكتب دينية وكتب علمية، ولا أظنهم كانوا يفتشون ليبحثون عن شيء معين.. فمَن يفتش يقلب قليلاً وينظر إليه ثم يُقلب غيرهم لكنهم كانوا يأتون بكل شيء أرضًا فحسب.
* سألتُ الأم.. ماذا كان دعاؤكِ وأنتِ بين يدي الله في بيته الحرام بعد الذي حدث لكم؟!
** لم يكن على لساني طوال رحلة السفر وحتى وصلتُ سوى الدعاء عليهم، أما بعد علمي باعتقاله في الصباح الباكر فلم أدعو لأولادي ولا لنفسي طوال رحلة الحج وحول الحرم بقدر ما دعوتُ على الطغاةِ والظالمين وعلى كلِّ مَن روَّع أولادي أو سرق أموالي وأخذ زوجي، وسألتُ الله أن يردها لهم بأولادهم وأن يخسف بهم الأرض كما خسف بعاد وثمود وقوم لوط، ويرينا فيهم آيةً من آياته، ويكشف حجابهم كما كشفوا حجاب ابنتي، فماذا سنفعل غير الدعاء عليهم بحرقةٍ في كلِّ وقتٍ وكل صلاة وكل ليل، ونتحرَّى أوقات الاستجابة، فهل ينامون ملء الجفون والناس يدعون عليهم؟!!
* متى قمتم بزيارته أول مرة وماذا حكى لكم؟
** في البداية كان في سجن المحكوم بيلمان طرة واحتُجز فيه مدة شهر، وهو سجن شديد القذارة، فضلاً عن ضيق مساحته لدرجة أنه لم يستطع أن يفرد رجليه، ومنعوا عنهم البطاطين والمراتب في أشد أيام الشتاء، ومنعوا عنهم الأدوية وأجهزة قياس الضغط، ولولا أن زهراء الشاطر فضحت الأمن في "إخوان أون لاين" وأنهم منعوا عن أبيها جهاز الضغط والسكر فاضطروا لأن يسمحوا لهم بعد أن كانوا يرددون "عندنا أوامر من فوق لا ندخل لهم ذلك أو غيره"، وقال لي أنا عبد المأمور فقلتُ له: أنت عبد ربك وليس المأمور، وستحاسب أمام الله باعتبارك سبب، وسجن المحكوم هذا يُسجن فيه تجار المخدرات لدرجةِ أنهم كانوا يشمون رائحة الحشيش ويسمعون ألفاظًا لم يسمعوها من قبل، وطبعًا كان المقصود إهانة هؤلاء الرجال بل وبتعمدٍ أيضًا.
* ما تعليقكم على قرار المصادرة والمحاكم العسكرية؟
** هم يرجعوننا لأيام جمال عبد الناصر وزوار الفجر وقراراتِ المصادرة التي صدمتنا، فحتى أموالي التي ورثتها عن أبي ومصوغاتي التي ورثتها عن أمي، وأراضي بالشرقية ورثتها عن أهلي، كله تجمَّد، ولمَّا ذهبتُ للبنك في الصباح الباكر قبل وصول القرار للبنك فأراني الموظفون الجرائد، وأرى أنَّ كل واحد وقف أمام النظام إما دمروه أو سجنوه، فلم يبقَ سوى الإخوان، فهم يريدون الناسَ أن تخضع لهم وحسب، فمصر كلها أصبحت سجونًا كبيرةً، وعربات الأمن المركزي في كل مكان وقريبًا سيصبح ضابط لكل مواطن، فالبلد في انهيار وعدم اتزان، وأصبحنا في نفقٍ ومتاهةٍ لا نعرف آخرها.
* هل أثَّرت تلك الأحداث على موقفكم؟
** بالطبع لا، فماذا سنقول لله إن لقيناه!! نحن سنقف أمام الله حفاة عراة لن نأخذ شيئًا معنا سوى أعمالنا، و﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ (محمد: من الآية 7)، ثم إننا لا نفعل سوى ما يأمرنا به الله عزَّ وجل، وأوصانا به الرسول- صلى الله عليه وسلم-، فليست لنا أي مطامع سوى شرع الله، ثم إنني لا أستطيع أن أقول لزوجي وأولادي لا تصلوا، ولا أن أقول لابني الذي وجدوا بغرفته صورة الإمام الشهيد حسن البنا وصورة الشهيد سيد قطب أن يُعلِّق صور الفنانات والممثلات والفتيات!!
ولذلك فإنني أرى أنَّ ما يحدث لنا محنة شديدة جدًّا عليَّ وعلى أولادي، فقد فرَّقوا شمل أسرتنا، ولكننا منتظرين المنحة، ونقول كما قال الأستاذ عمر التلمساني المرشد الأسبق عندما قال: "مفروض أن نشتكي للكبير، لكننا لن نشتكي إلا لله"، فقيل له: "أسحب شكواك يا عمر"، فقال: "لا، لن أسحبها، بل نزيد عليها"، ونحن أيضًا لن نسحبها بل نزيد عليها.
* رغم كل ما حدث هل ما زلتم متمسكين بالبقاء في مصر أم هناك أفكار تراودكم بمغادرتها؟
** نحن سنظل في مصر ولن نتركها لهم، "وسنبقى قاعدين على قلبهم".
3 comments:
صبراً آل مالك.....فإن مثلكم متواه الجنة
# وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ... ( النور- الجزء الثامن عشر )
" فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا "
اللهم فرجك القريب
Post a Comment